وما كانت رسالات الأنبياء الذين اصطفاهم الله ليكونوا خيرة خلقه إلا دعوات للحق والخير والصلاح، وما كانت دعوات المصلحين الذين حملوا مشاعل الحق والخير والجمال على مر العصور، إلا استغاثات للخير الكامن المتغلغل فى أعماق الفطرة السوية لأكرم مخلوقات الله، ذاك هو الإنسان الذى حمل الأمانة التى عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها. من هذا المنطلق عرف الإنسان علم الأخلاق والذى - فى رأيى شديد التواضع - هو أقدم العلوم البشرية وأول العلوم البشرية وأكمل العلوم البشرية، وهو العلم الذى لا يمكن للإنسان مهما كان رفيعًا أو وضيعًا، كبيرًا أو صغيرًا، حاكمًا أو محكومًا أن يعيش فى غنى عنه، ذلك لأنه - بإيجاز شديد - هو العلم الذى لا يسع الإنسان المعتز بإنسانيته أن يجهله. فعلم الأخلاق هو العلم الذى يوضح معنى الخير والشر، ويبين ما ينبغى أن تكون عليه معاملة الناس بعضهم بعضًا، ويشرح الغاية التى ينبغى أن يقصدها الناس فى أعمالهم وينير السبيل لعمل ما ينبغى. وعلى الرغم من الأهمية القصوى لعلم الأخلاق، وعلى الرغم من أنه أسمى الغايات البشرية وأشرفها، فإنه منذ فجر التاريخ قد حكم عليه بأن لا يتعاطاه إلا آحاد من الناس، وحكم على من يتعاطاه أن يواجه الكثير من المصاعب، ويتجرع الكثير من الآلام.